أشرف رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يوم الجمعة 21 جويلية 2017 بقصر قرطاج على موكب الاحتفال بيوم العلم.

وأكّد رئيس الجمهورية في كلمته بالمناسبة على اعتماد تونس في حماية ديمقراطيتها الناشئة وقهر الصعاب الظرفية التي تعترضها على عزم بناتها وأبنائها وتسلّحهم بالعلم والمعرفة والذكاء وبالعمل والأمل.

وشدّد على أن أسباب التقدم الاقتصادي للأمم يتوقف على قدرتها على الانخراط في اقتصاد المعرفة والخدمات وما يتطلبه من التحكم في التكنولوجيات وتطويعها والتدريب المستمر للعنصر البشري وتأهيله.

ودعا رئيس الجمهورية كافة الأطراف المشاركة في اصلاح منظومة التربية ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي إلى العمل للتوفق إلى مقاربة شاملة تصل بين التربية والتعليم العالي والتكوين المهني ومتطلبات التنمية الاقتصادية ومواكبة المستجدات العالمية.
كما شدّد على ضرورة استغلال الصائفة لمواصلة العمل على تأهيل المدارس وتحسين جودة الخدمات المدرسية والجامعية لتوفير الظروف الملائمة للدراسة في كامل تراب الجمهورية.

وتولّى رئيس الجمهورية منح الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع التربية والعلم لثلّة من رجال التربية والعلم وتكريم المتفوقين في مختلف امتحانات الشهادات الوطنية واسناد الجوائز الوطنية للبحث العلمي والتكنولوجيا والجوائز الوطنية للتنشيط الثقافي.

وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتربية بالنيابة سليم خلبوس، قد استعرض في الكلمة التي ألقاها في مستهلّ الموكب ما ميّز السنة الدراسية والجامعية 2016-2017 من اصلاحات وتحسين للنتائج ولظروف عمل الإطار التربوي والإداري.

حضر الموكب بالخصوص رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة وإطارات وزارات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني والتشغيل وثلّة من ممثلّي نواب الشعب والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية.

وفيما يلي كلمة رئيس الجمهورية:

بسم الله الرحمان الرحيم

حضرات السّيدات والسّادة
أيتها الأسرة التربويّة الكريمة

نحتفِي اليوم بالعلم والمعرفة والمؤسّسة التّربوية ونحتفلُ بما حقّقه أبناؤنا وبناتنا من تفوق وتميّز. وإنّها لمناسبة سعيدة أُقدّم فيها أحرّ تهانيّ للجميع وخالص شكري وتقديري لكلّ من ساهم في الارتقاء بالشّأن التّربوي ونجاح هذه السنة الدراسية من مربين وإطار تربوي وأولياء وكذلك قواتِ الأمن والجيش الوطنيّ ومكوّنات المجتمع المدني التي تعاضد مجهودات الدولة في أن يعود للمؤسّسة التّربوية تألُّقُها وتسترجعُ دوْرَها في بناء مستقبل زاهر لتونس وأبنائِها.

حضرات السيّدات والسّادة

تتبوّأُ المدرسة في وُجدان التّونسي موضع القلب ينبُضُ على وَقْعِ تَحْصيلِ صِغاره نتائجَ طيّبة أو نجاحهم، فتراهُ يُقيمُ لذلك الحفلات حتّى وإن ضاقت به ذات اليد وهي سِمَةٌ نعرفُ جميعا أنها تُميِّزُنَا عن غيرنا من الشعوب والتي أستحضرها كلّما التقيت مسؤولين أجانب أو حللت بالخارج ومن أهمّة ما أسعى إليه تحصيل منحٍ لبناتنا وأبنائنا حتّى يستكملوا دراستهم في أرقى الجامعات الأمريكية والأوروبية، إيمانًا منّي بأن الأخذ بأسباب القوة في عالم اليوم، عالم اقتصاد المعرفة والمنافسة على الذكاء، مرتبطٌ بقدرة الدولة على تأهيل نظامها التربوي والانفتاح على العالم للتَّمكُّنِ من الخبرات وتكوين الكفاءات وتحفيزهم على العودة إليها للانخراط في معركة تنمية بلادهم.

فَبِالمعرفة نَعْمَلُ على تمكين مجتمع متوازن تسودُ فيه قيم العقلانية والاعتدال والتسامح ونبذ التطرف والعنف. وبالمعرفة أيضا نرمي لتأسيس دولة القرن الـ 21 لمواطنين أحرار كلّهم عزم على بناء وطنهم لا تزيدهم الصّعوبات وحجم التّحديات ونُدرةُ الموارد إلا إصرارا على النهوض بتونس ورفع رايتها عاليا والولاء لها دون غيرها والاعتصام بحبلها يشدُّ من أزرهم وقت الضّيق، يختلفون ولا يتخالفون، يُقاومون صفّا واحدا مظاهر الفساد والإفساد وجيوب التخلف والتطرف والجهل والإرهاب وكلّ المُشككين المتربصين بوطنهم.

إنّ مسؤوليتنا تقتضي حِمايةَ ديمقراطيتنا الناشئة وقهرِ الصِّعاب التي تعترضنا وهي في أغلبها نتيجة ظرف انتقالي خَبِرَتْهُ شعوبٌ غيرُنا. وإننا مطالبون بالنجاح في مسار الانتقال الاقتصادي سِلاحُنا في ذلك عزائم بنات تونس وأبناءها وعُدَّتُنا العلم والمعرفة والذكاء أو المادّة الشخمة كما كان يقول على حقّ الزعيم بورقيبة رحمه الله.

السيّدات والسّادة، أيها الحضور الكريم،

إنّ أسباب التقدّم الاقتصادي للأمم لم يعد اليوم مرتبطا بامتلاكها للثروات الطبيعيّة بقدر ما يتوقف على قدرتها على الانخراط في اقتصاد المعرفة والخدمات وما يتطلّبه من إنتاج للمعلومات والبرمجيات والتحكم في التكنولوجيات وتطويعها والتّدريب المستمر للعنصر البشري وتأهيله على خوض المعركة الاقتصاديّة.

لقد احتَدَّت المنافسة العالميّة في المجال الاقتصادي الذي أصبح يقوم اليوم بالأساس على الذكاء البشري المُتجدِّد عوض المواد الخام المُتبدِّدَة وعلينا إدراك أنّ مستقبلنا يرتبط بقدرتنا على التّأقلم حتى يكون الاستثمار في الذّكاء التّونسي بحجم التحدّيات التي نواجهها.

وعلينا في هذه المعركة ألاّ نتأخّر في اعتماد أنجع السياسات الكفيلة بتأهيل وضع التربيّة والتعليم ببلادنا.

وأدعو بهذه المناسبة كافّة الأطراف المشاركة في إصلاح المنظومة التربـويّة ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي إلى مزيد الجرأة ومواكبة المُستجدات العالمية في هذا المجـال حتى تكون لدينا مقاربة عمليّة شاملة تصِلُ بين التربية والتعليم العالي والتكوين المهني ومتطلبات التنمية الاقتصادية العادلة، فتكون الإصلاحات أكثر نجاعة. وليس على المؤسسة التربوية التلقين العشوائي وحشو عقول صغارنا وشبابنا حتى التخمة بقدر ما هي مطالبة بتنمية قدرتهم على التفكير والإبداع والمبادرة والانفتاح على العالم والعلوم والثقافات. ولا بدّ للإصلاح التربوي أن يحافظ ويدعم مبدأ التكافؤ في الفرص الذي تَضْمَنُهُ المدرسة العمومية المجانية العصرية حيث يكون التعليم الخاصّ مُكمّلاً لها لا بديلا عنها.

حضرات السيدات والسادة

إني أتابع عن قرب ما كنّا قد بادرنا به من برامج تحسين البنية التحتيّة للمؤسّسات التربويّة وأشدّد على ضرورة أن تكون هذه المشاريع مشتركة ومتناسقة بين جميع الأطراف المعنيّة وأن يتم استغلال هذه الصّائفة لمواصلة العمل على تأهيل المدارس وتوفير الظروف الملائمة لأبنائنا في كامل تراب الجمهوريّة. فليس من المقبول ولا من باب العدل والإنصاف أن نجد من أبنائنا من يفتقر لحدّ الساعة للماء الصالح للشّراب في المؤسّسات التّربويّة، أو يشتكي من انعدام وسائل النقل أو جودة الخدمات المدرسيّة والجامعيّة في المبيتات. لذلك أدعو كلّ الأطراف إلى العمل العاجل على حلّ هذه الإشكاليات الهامّة حتى تكون للإصلاحات والإجراءات البيداغوجيّة قيمتها وفاعليتها وجدواها.

حضرات السيّدات والسّادة
أبنائي الأعزّاء، بناتي الفضليات،

نحن نفخر بما حقّقتموه من نجاح، ويحقّ لكم أن تعتزّوا بانتمائكم إلى وطنٍ لن يتوانى في تمكينكم من مزيد شروط التفوّق والتّميُّز. أُطلبُوا العِلم دون كللٍ أو ملل وتسلّحوا بالعمل والأمل وكونوا حصنا حصينًا لتونس فأنتم مستقبلها الوحيد وهي وطنكم الأوحد.
وفقكم الله إلى ما فيه خير تونس ومناعتها وتفوّقها.

و السّـــــلام عليكم ورحمة الله وبركاته.