خطاب رئيس الجمهورية أمام البرلمانيين الإيطاليين

واصل رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، نشاطه خلال اليوم الأوّل من زيارة الدولة إلى إيطاليا بإجراء مقابلة مع كلّ من رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي Pietro Grasso ورئيسة مجلس النواب Laura Boldrini بقصر "Madama" بروما، وبحضور رئيستي لجنتي العلاقات الخارجية في المجلسين.

وتمّ خلال هذه المقابلة التطرّق بالخصوص إلى علاقات الصداقة العريقة بين تونس وإيطاليا وسبل مزيد دعم مسيرة التعاون بين البلدين من خلال الاستفادة من القواسم المشتركة التاريخية والثقافية والانسانية ومن الفرص والإمكانيات المتاحة لتعزيز التعاون، إضافة إلى تبادل وجهات النظر فيما يتعلق بالتحديات الأمنية والاقتصادية والهجرة في المنطقة المتوسطية وتطور الأوضاع في ليبيا التي تشكل مصدر انشغال للبلدين بحكم الجوار وتشابك المصالح.

وبعد كلمات الترحيب التي توجه بها بالخصوص كلّ من رئيس مجلس الشيوخ ورئيسة مجلس النواب الإيطاليين إلى رئيس الجمهورية، ألقى رئيس الدولة خطابا شاملا بمقر مجلس الشيوخ الإيطالي تطرق فيه بالخصوص إلى العلاقات التاريخية الكبيرة القائمة قديما بين قرطاج وروما وما يميزها حاليا من خصوصية ومتانة.

كما استعرض مسيرة التعاون بين البلدين وما توليه تونس بشكل خاص من اهتمام لمزيد توطيد علاقاتها بإيطاليا باعتبارها الجارة الأوروبية الأقرب إلى بلادنا ودعوتها لمزيد الانخراط في جهود التنمية في البلاد، مثمنا مواقف إيطاليا الداعمة والمساندة للتجربة الديمقراطية الفتية في تونس ومؤكدا على أنّ إيطاليا لن تبخل على تونس بدعمها ومُعاضدة جُهودها لرفع التّحدّيات سواء على المستوى الثنائي أو داخل الاتّحاد الأوروبي أو من خلال رئاستها الدّوريّة لمجموعة السّبع الكبار معتبرا أنّ نجاح تونس ضمان للأمن والاستقرار والتّنمية في الفضاء الأورومتوسّطي.
 وفما يلي نصّ كلمة رئيس الجمهورية:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

معالي السيّناتور Pietro Grasso، رئيس مجلس الشّيوخ،
معالي السيّدة Laura Boldrini، رئيسة مجلس النوّاب،
السيّدات والسّادة أعضاء مجلس الشّيوخ ومجلس النوّاب المُحترمون،
أصحاب المعالي والسّعادة، 
حضرات السيّدات والسّادة،
إنّه لشرف أثيل أن أحظى اليوم بلقائكم ومُخاطبتكم في هذا الصّرح الكبير للدّيمقراطيّة والتّعدّديّة في بلدكم الصّديق، وهُو تكريم لي وللشعب التونسي يُترجم متانة العلاقات بين بلدينا وشعبينا منذ أقدم العصور.

ويطيب لي، بهذه المناسبة، أن أتقدّم بوافر الشّكر وعظيم الامتنان إلى صديقي فخامة الرّئيس  Sergio Mattarella على دعوته الكريمة وما حظيت به، والوفد المُرافق لي، من حفاوة استقبال وكرم وفادة منذ حُلولي ببلدكم الجميل.

كما يسرّنــي أن أعبّر عن شُكري العميـق لمعالـي السيّد Pietro Grassoo، رئيس مجلس الشّيوخ، لإتاحة الفرصة لمُخاطبة مجلسكم الموقّر، وأن أتقدّم إليكم جميعًا، ومن خلالكم، برسالة صداقة وتقدير من الشّعب التّونسي إلى الشّعب الإيطالي الصّديق.

حضرات السيّدات والسّادة،
 في غَمْرَةِ احتفالنا بمرور ستّين سنةً على إقامة العلاقات الدّبلوماسيّة بين تونس وإيطاليا، نستذكر بكثير من الاعتزاز الثّراء الكبير الذي اتّسمت به العلاقات بين بلدينا وشعبينا الجَارَيْن في شتّى المجالات وفي كلّ العصور، مُنذ العُهود المجيدة لقرطاج وروما، وما ميّز هذه العلاقات من كثافة وتنوّع وتبادل للمنافع، ومن تنافس حول المصالح والنّفوذ.

إنّ التّاريخ المشترك لبلدينا وإشعاعهما الكبير على كلّ المنطقة وإسْهَامِهِمَا المتميّز في تقدّم الحضارة الإنسانيّة في البحر الأبيض المتوسّط وفي العالم يُشكّل مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا.
وفي هذا الإطار، تحفظ ذاكرتنا بكثير من الإعجاب القُدرة الخلاّقة التي تَمَيَّزَ بها أسلافنا في صَوْنِ أسس العيش المشترك وحُسن الجوار واستدامة التّعاون والتّبادل وإشاعة قيم التّسامح والانفتاح، تلك الخصال الّتي أضفت على العلاقات التّونسيّة الإيطاليّة خُصوصيّتها المتميّزة وخلّفت صفحات مُضيئة في تاريخنا المُشترك. 
 إنّ الحفاظ على هذا البعد الحضاري لعلاقاتنا هُو في صميم مصلحتنا المُشتركة التي نتمسّك بها، لأنّنا نحيا جميعًا على ضفاف هذا الفضاء البديع الذي نُسمّيه البحر الأبيض المتوسّط، ونتقاسم خيراته، ولأنّ أيّ خطر يَتَهَدَّدَهُ هو في النّهاية تهديد لنا ولمستقبلنا جميعا.
 فَلاَ عَجَبَ إذن أن تحظى إيطاليا بمكانة متميّزة لدى تونس وشعبها وأن تُحافظ العلاقات التّونسيّة الإيطاليّة على القواعد المتينة التي تمّ إرساؤها منذ إقامة العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلدين سنة 1957 والتي تعزّزت أكثر منذ انطلاق مسار الانتقال الدّيمقراطي في تونس.

حضرات السيّدات والسّادة،
 أودّ أن أثمّن عاليًا وقوف الجمهوريّة الإيطاليّة إلى جانب تونس في كلّ المحطّات التي مرّت بها منذ سنة 2011 والمُساندة القيّمة التي قدّمتها في شتّى المجالات الأمنيّة والتّنمويّة لمساعدتنا على مواجهة تحديات المرحلة الدّقيقة التي تعيشها تونس. فقد تتابعت زيارات كبار المسؤولين الإيطاليّين إلى بلادنا لتأكيد هذا الموقف المُتضامن والدّاعم للدّيمقراطيّة التّونسيّة النّاشئة، ومنها، على سبيل الذّكر لا الحصر، زيارة فخامة الرّئيس السّابق Giorgio Napolitano وزيارة رئيس الحكومة السّابق Matteo Renzi والتي كانت الأولى له خارج إيطاليا بُعيد تولّيه مهامّه، وزيارة صديقي فخامة الرّئيس Sergio Mattarella الذي ألبّي دعوته اليوم بكلّ اعتزاز.
كما تشرّفنا بزيارة معالي السّيناتور Pietro Grassoo، رئيس مجلس الشّيوخ، الذي حضر الاحتفاليّة الخاصّة بإعلان الدّستور التّونسي الجديد يوم 7 فيفري 2014، وأيضًا بزيارة معالي السيّدة Laura Boldrini، رئيسة مجلس النوّاب، التي شاركت في المسيرة التّضامنيّة التي انتظمت يوم 29 مارس 2015 على إثر الاعتداء الإرهابي الغادر على متحف باردو.

 وإنّنا بقدر اعتزازنا بما راكمته التجربة الدّيمقراطية الفتية من نجاحات بإصدار دستور جديد للجمهوريّة الثّانية وتنظيم أوّل انتخابات ديمقراطيّة تعدّديّة في تاريخ تونس، لواعون تمام الوعي بالتّحدّيات الجسام التي ما زالت تُواجهنا خاصة على الصّعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ونحن مُصمّمون على مُضاعفة الجهود للتّغلّب عليها بالعمل والمُثابرة من أجل الاستجابة للانتظارات المشروعة لشعبنا في التّشغيل والتّنمية والعدالة الاجتماعيّة وتعزيز البناء الدّيمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا دون رجعة.
 وإنّ حكومة الوحدة الوطنيّة التي تمّ تشكيلها بدعم واسع من الأحزاب السّياسيّة وبمشاركة كبيرة للمرأة والكفاءات الشابّة، تُواصل عملها لإنجاز الإصلاحات الهيكلية العميقة في إطار مُخطّط التّنمية 2016- 2020 والتي تهدف إلى استعادة النّسق الإيجابي للنّموّ والتّنمية ومُضاعفة الإنتاج من أجل وضع تونس على خارطة الاقتصاديّات الصّاعدة والواعدة.
 ويرمي مخطّط التّنمية الذي تمّ وضعه وفق مُقاربة تشاركيّة واسعة، إلى اعتماد منوال تنمية جديد يعطي الأولوية للجهات المحرومة للاستفادة بنسبة ما يُقارب %70 من كلفة المشاريع المُبرمجة لفائدة حوالي %50 من السكّان القاطنين بالمناطق الأقل نموّا حسب مؤشّر التّنمية. 
 وتُعوّل تونس في ذلك بالأساس على طاقاتها الذّاتيّة وما تتمتّع به من ميزات تفاضليّة عديدة لمجابهة مختلف التحديات، وتأمل أن تجد من شُركائها، وفي مُقدّمتهم إيطاليا والاتّحاد الأوروبّي، الدّعم المُنَاسِبْ الذي من شأنه أن يُرافق نهوض الاقتصاد التّونسي كشرط لازم لتثبيت المُنجز الدّيمقراطي.

لقد أثبتت التّجارب في تاريخنا الحديث أنّ كلّ الدّيمقراطيّات النّاشئة قد صَمَدَتْ وترسّخت لأنّها نجحت في كسب التّحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المُلاَزِمَةِ للانتقال الدّيمقراطي بالاستناد إلى شركاء مهمّين شكّلوا ما يُشبه القاطرة لها للعبور إلى مرحلة النّموّ الاقتصادي والتّنمية الضّروريّين للدّيمقراطيّة. وبالنّسبة لبلادنا فإنّ الاتّحاد الأوروبّي جارنا الاستراتيجي الكبير وشريكنا الأوّل في كلّ المجالات هو المؤهّل للقيام بهذا الدّور.
 ونحن على يقين بأنّ إيطاليا لن تبخل على تونس بدعمها ومُعاضدة جُهودها لرفع التّحدّيات سواء على المستوى الثنائي أو داخل الاتّحاد الأوروبّي أو من خلال رئاستها الدّوريّة لمجموعة السّبع الكبار"G7 "، لأنّ نجاح تونس ينعكس إيجابيّا على الأمن والاستقرار والتّنمية في فضائنا الأورومتوسّطي.

حضرات السيّدات والسّادة،
 إن المستوى المتميّز للعلاقات الاقتصادية بين بلدينا والتي تشهد تناميًا مُستمرا من سنة إلى أخرى، يُحَفِّزَنَا على مُضاعفة الجهود في تعزيزها وتنويعها للارتقاء بها إلى مُستوى شراكة استراتيجية حقيقيّة. فبلدكم الصّديق من أَهَمِّ شُركائنا الاقتصاديّين في مجال التّجارة الخارجيّة والاستثمارات المباشرة حيث بلغ عدد الشّركات الإيطاليّة المستثمرة في بلادنا أكثر من 860 شركة، كما تُمثّل إيطاليا ثاني شريك تجاري لتونس وتحتلّ المرتبة الرّابعة أوروبيا على مُستوى تدفّق السيّاح نحو الوجهة التّونسيّة.

 وأودّ أن أُذَكِّرَ أنّ إيطاليا التي لا يفصلنا عنها سوى مضيق صقليّة هي الجار الأوروبّي الأقرب لبلادنا، كما أنّ تونس هي الأرض الإفريقيّة الأقرب لإيطاليا. فكلاهما يُعتبر في الحقيقة شريكا حيويّا اقتصاديّا هامّا للآخر، مع ما يُمثّله ذلك من فُرص واعدة للاستثمار والشّراكة. وإذ أُشيد بالمشاركة الإيطالية المتميّزة في المؤتمر الدّولي لدعم الاقتصاد والاستثمار في تونس « Tunisia 2020 » الذي انعقد في أواخر نوفمبر الماضي، فإنّي أجدّد الدّعوة إلى الفاعلين الاقتصاديّين الإيطاليّين لمواصلة الاستثمار ببلادنا، خاصّة في ظلّ التحسّن الملحوظ لمناخ الأعمال بها وإقرار حزمة من التّشجيعات والحوافز والضمانات جاءت بها مجلة الاستثمار الجديدة.
 وأملنا كبير في أن تكون إيطاليا الجارة والصّديقة في مُقدّمة شركائنا الأوروبيّين الذين يُمكن أن نتعاون معهم بشكل كبير في دعم التنمية الاقتصادية في تونس وفي الانخراط بصفة خاصة في إنجاز المشاريع الموجهة للشباب لا سيّما تمويل المشاريع الصّغرى والمُتوسّطة والتّكوين المهني وتكثيف التّبادل العلمي والثّقافي وإعطاء حيّز أكبر للشّباب في برامج التّعاون بيننا بما يُساعد على النّهوض بدوره في شتّى المجالات التّنمويّة. 
 واسمحوا لي أن أؤكّد، في هذا السياق، ما نُوليه من عناية بالغة بالشّباب. فهُو عماد المُستقبل والقلب النابض في المجتمع الذي نعوّل عليه كثيرا في بناء تونس الجديدة الديمقراطية والمزدهرة وقيادة مسيرة انتقالها إلى مصافّ الدّيمقراطيّات المُستقرّة والاقتصاديّات الصّاعدة.

حضرات السيّدات والسّادة، 
تبقى مُعضلة الهجرة غير الشّرعية مصدر انشغال لنا جميعا في فضائنا المتوسّطي الذي يعيش مأساة إنسانية نتيجة تكرّر حوادث غرق المُهاجرين إلى أوروبا واستفحال ظاهرة الاتّجار بالبشر. وأودّ في هذا الإطار، أن أنوّه بالتعامل الإنساني للسلطات الإيطالية مع هذه الظّاهرة التي تفاقمت في السّنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع المتأزّمة في المنطقة. 
 وإذ أعبّر عن ارتياحي لما حقّقناه من تعاون نموذجي بين بلدينا في مجال مُعالجة الهجرة غير الشّرعية، فإني أُشيد بالمساعدات الإيطالية من تجهيزات ومعدّات وتكوين لمقاومة هذه الظاهرة، ما ساهم في رفع قدراتنا على تأمين الحدود البحرية ونجاح قوّاتنا الأمنيّة في إحباط العديد من عمليات الهجرة السرية، بحيث تقلّص عدد المهاجرين التّونسيين الوافدين عبر البحر إلى السّواحل الإيطالية من قرابة 22 ألفًا سنة 2011 إلى حوالي ألف مهاجر فقط خلال السّنوات الأخيرة. 
وانطلاقا من اعتقادنا الراسخ بمحدودية المعالجة الأمنية لهذه الظاهرة، فإننا نؤكد انه لا سبيل لوقف تدفّق الهجرة غير الشرعية إلا باعتماد مقاربة شاملة ومتوازنة تأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية والإنسانية للهجرة من خلال مُعالجة جذورها، وإرساء قنوات منظّمة للهجرة الشرعية إلى جانب بعث مشاريع تنموية خاصّة في المناطق المصدّرة لها.

حضرات السيّدات والسّادة،
 نحن نتطلّع إلى أن تكون هذه السّنة الجديدة مُنطلقًا لإعادة الاعتبار لمفهوم الأمن الجماعي في علاقاتنا الدّوليّة من منظور شامل وغير انتقائي يُعالج بجديّة العوامل والأسباب التي تُغذّي الإرهاب والتّطرّف العنيف في عالمنا.

 لقد أثبتت الأحداث المأسويّة المؤلمة التي عشناها في السّنوات الأخيرة أنّنا إزاء آفة خطيرة مُستفحلة مُعادية للإنسان والحضارة الإنسانيّة وقيم العيش المشترك، لا تستثني شعبًا ولا دولةً ولا تُقيم أيّ وزن للمقدّسات الدّينيّة أو القيم الأخلاقيّة أو مبادئ القانون الدّولي. ومن الواضح أنّنا جميعًا ضحايا لهذه الآفة ولنا مصلحة أكيدة في التّصدّي لها جماعيًّا.
 وأودّ أن أؤكّد أنّ ديننا الإسلامي الحنيف، بما يحمله من قيم روحيّة عظيمة وبما يتّسم به من سماحة، براء من الإرهاب والفكر المتطرّف اللّذين يعمدان إلى تشويه قيمه السّامية، بل أنّ المسلمين في شتّى بقاع الأرض هم أوّل المتضرّرين من الإرهاب المتستّر بالدّين.
وإنّ تونس، التي ظلّت دائمًا منارة إشعاع للإسلام الوسطي السّمح، عازمة على مواصلة جُهودها في تعزيز منظومتها الأمنيّة والدّفاعيّة لصيانة أمنها واستقرارها والتّوقّي من مخاطر هذه الآفة العابرة للحدود. غير أنّ كسر شوكة الإرهاب مسؤوليّة جماعيّة تقع في صميم واجبات المُجتمع الدّولي وتتطلّب مُعالجة تتجاوز البُعد الأمني البحت إلى كلّ الأبعاد الثّقافيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة التي تكتنف هذه الظّاهرة المعقدة.
حضرات السيّدات والسّادة،
 إنّ غياب الاستقرار في ليبيا الشقيقة يُشكّل مصدر انشغال جدّي وعامل إرباك حقيقي لأمن تونس واقتصادها نظرًا للجوار والتّرابط الوثيق بين مصالح البلدين والشّعبين الشّقيقين. ونعتبر أنّ الحلّ المنشود للأزمة اللّيبيّة لا يُمكن أن ينبع إلاّ من إرادة الأشقّاء اللّيبيّين وتصميمهم، ولا يتحقّق إلاّ في كنف الوفاق والتّفاهم الذي يجمعهم ولا يُفرّقهم. وواجبنا هو أن ندعمهم في هذا الاتّجاه وَنَشُدَّ على أياديهم ونوفّر لهم كلّ المساعدة المطلوبة.
 وفي هذا الإطار، أطلقنا مبادرة لحلّ الأزمة في هذا البلد الشقيق ترمي إلى تشجيع مختلف الأطراف الليبية ومساعدتها على تحقيق تسوية سياسية توافقية تُفضي إلى مصالحة شاملة تحفظ وحدة ليبيا وسيادتها، وذلك بالتنسيق والتشاور مع كلّ من الجزائر ومصر.
 ولا شكّ أنّ إيطاليا، بحكم التّاريخ والجغرافيا، هي أكثر الدّول الاوروبيّة إدراكًا لأهميّة العمل على تثبيت أسباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الشّقيق، فاستعادة ليبيا لعافيتها شرط أساسي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والقضاء على الإرهاب ومُعالجة ظاهرة الهجرة اللاّشرعيّة. 
حضرات السيّدات والسّادة،
 لقد كان لاستمرار الأزمات الخطيرة في عدد من البلدان العربيّة وتمدّد الخطر الإرهابي في منطقتنا، انعكاسات ضارّة على القضيّة الفلسطينيّة التي تراجع الاهتمام الدّولي بها خلال السّنوات الأخيرة.
 ونحن نعتقد أنّ الحلّ النّهائي والعادل للقضيّة الفلسطينيّة، مظلمة العصر، هو أحد أهمّ المقوّمات لتعزيز الأمن والاستقرار ودفع التّنمية في منطقتنا وتعزيز السّلم العالمي. وستُواصل تونس دعم كلّ الجهود الرّامية إلى استئناف عمليّة السّلام على أساس المرجعيّات الدّوليّة ذات الصّلة من أجل تمكين الشّعب الفلسطيني من استعادة حقوقه الوطنيّة المشروعة وفي مُقدّمتها إقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف. 
 وأعتقد أنّ من مصلحتنا جميعًا أن تتركّز جُهود المُجتمع الدّولي في هذه السّنة الجديدة على تصويب الاختلالات الفادحة في النّظام الدّولي من خلال إضفاء المزيد من العدل والإنصاف والدّيمقراطيّة على العلاقات بين الدول والشعوب.

حضرات السيدات والسادة،
في الختام، أجدّد لكم شُكري العميق وامتناني الكبير، وأودّ أن أصحّح نداء السّيناتور كاتون القديم (Catonn) في مجلس شُيوخ روما: "Delenda Carthago". وأعتقد أنّه لو كان موجودًا بيننا اليوم لشاركني بلا تردّد في إطلاق دعوة قلبيّة إلى الشّعب الإيطالي الصّديق من خلال مجلسكم المُوقّر عُنوانها: "Aedificanda Carthago"، أي فَلْنَتَعَاون سويًّا من أجل بناء مُستقبل أفضل لشعبينا الجارين والصّديقين.
 والسّلام عليكم

 

 

المكان : روما
التاريخ: 08 فيفري 2017
شارك :

آخر الأخبار

الأخبار ذات الصلة

الصفحات

Layout Settings