كلمة سيادة الرئيس في موكب تقديم تهاني رؤساء البعثات الديبلوماسية و المنظمات الدولية بمناسبة السنة الادارية الجديدة

بسم الله الرحمان الرحيم
 
السّيّد عميد السّلك الدّبلوماسي، 
أصحاب السّعادة السُّفراء، رُؤساء البعثات الدّبلوماسيّة والمنظّمات الإقليميّة والدّوليّة،
حضرات السّيّدات والسّادة،
 
أَشْكُرُكُم في البداية على حُضوركم هذا اللّقاء الأوّلَ لِي كَرَئيسٍ للجمهوريّة بأعضاءِ السّلك الدّبلوماسي المُعتمد بتونس. ويُسعدني بهذه المناسبة أن أتوجّه إليكم وإلى حُكوماتكم بأحرّ التّهاني وأطيب التّمنّيات. كما أشْكُرُ العميد، سعادة السّفير سلمان الهرفي، على كلمته اللّطيفة، وأُثني على جهودكم جميعًا في سبيل تعزيز العلاقات بين تُونس وبُلدانكم والمنظّمات التي تُمثّلونها. 
وأغتنم هذه المناسبة لأُعرب من خلالكم عن امتناننا لكلِّ الدّول الشّقيقة والصّديقة والمنظّمات الإقليميّة والدّوليّة التي وقفت إلى جانب تُونس من أجل تثبيت مسارها الدّيمقراطي ودَعْمِ تَوَازُناتها الاقتصاديّة والماليّة في ظرفٍ انتقاليٍّ صعبٍ ودقيق.
أصحاب السّعادة،
حضرات السّيّدات والسّادة،
لقد تَوَفَّقْنَا بِحَمْدِ الله وعَوْنِهِ في تَجَاوُزِ صعوبات الانتقال الدّيمقراطي بسلامٍ بِفَضْلِ وَعْيِ الأطراف السّياسيّة بِرِهَانَاتِ المرحلة ويَقَظَةِ المجتمع المدني والمؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة وتَجَنُّدِ فئات الشّعب التّونسي لتأمين المسار من التّعثّر والارتداد. وقد كان التّوافق العنوان الأساسي لهذه المرحلة وسيظلّ كذلك خلال المرحلة القادمة لتحصين البلاد من الهزّات وتأمين أفضل الظّروف لانطلاقةٍ جديدةٍ وواعدة.
ولم يَكُنْ ذلك مُتاحًا لَوْلاَ تضحياتُ شُهداء الثّورة والوطن الذين نَقِفُ لهم اليوم إجلالاً وإكبارًا ونترحّم على أرواحهم الزّكيّة. 
غير أنّ هذا الانجاز الهام لا يُمكن أن يَحْجُبَ عَنَّا التّحدّيات الكبيرة الماثلة أمامنا اليوم، وهي عديدةٌ وصعبة. وأوّلها توفير الشّغل للشّباب ودفع التّنمية وفكّ العُزلة عن الجهات المُهمّشة.
لذلك سنَحْرِصُ على أن تكون سنة 2015 سَنَةَ العمل والكدِّ بامتياز، وأيضًا سنة الاستقرار وتثبيت سُلطة الدّولة وإعادة الثّقة في المُؤسّسات. وإن كُنّا نُعَوِّلُ في المقامِ الأوّلِ على قُدراتنا وإمكانيّاتنا الذّاتية لمُجابهة هذه التّحدّيات، فإنّنا نتطلّعُ أيضًا إلى مُعاضدة الأشقّاء والأصدقاء والمُنظّمات والمُؤسّسات المانحة. ونَحنُ نَطمحُ إلى تسخير حجمٍ غير مسبوق من الاستثمار خلال الخمس سنوات المقبلة وبعث مشاريع ضخمة في مجالات التّنمية والبُنية التّحتيّة.
وَكَمَا لم تَتَرَدَّد عديدُ الدُّول الشّقيقة والصّديقة في الوقوف إلى جانب تُونس خلال السّنوات الأولى من
 
 
 استقلالها في سبيل إرساء دعائم الدّولة الحديثة وتركيز مُقوّمات نهضةٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ
حقيقيّة، فَانّنَا نأمل أن تُواصل مساندتها لنا من أجل ترسيخ دعائم الدّيمقراطيّة وتَحْصِينِ مُقوّمات استقرار الدّولة ومؤسّساتها. إنّ وقوف شُركائنا إلى جانبنا في هذا الظّرفِ الدّقيق والحاسم من تاريخنا مُهمٌّ لاستقرار الأوضاع في البلاد، لأنّ استقرار تُونس ضمانٌ لاستقرار المنطقة كلّها.
ويُمثّل المناخ السّياسي والاجتماعي الجديد الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة وما تَحْظَى به الحُكومة من دعمٍ من مختلف العائلات السّياسيّة خيرُ حافزٍ لاستعادة ثقة الاستثمار الأجنبي والمُؤسّسات الماليّة العالميّة في بلادنا كَوِجْهَةٍ ديمقراطيّةٍ مستقرّةٍ وواعدة. 
إنّ الاستثمار في تُونس تثبيتٌ للقيم الدّيمقراطيّة وترسيخٌ لمقوّمات الاستقرار والتّنمية في المنطقة.
ونَحن نَتَطَلَّعُ للمُستقبل بكلّ تفاؤلٍ، نِبْرَاسُنَا في ذلك قُدرة هذا الشّعب على إسْتِنْهَاضِ هِمَمِهِ وتَعْبِئَةِ طاقاتِهِ وتَنَوُّعٍ اقتصاده ودَعْمِ أصْدِقَاءِهِ.
أصحاب السّعادة،
حضرات السّيّدات والسّادة،
إنّ الدّبلوماسيّة التّونسيّة التي عُرفت منذ الاستقلال بِرَصَانتها وتَوَازُنِهَا تأثّرت كثيرًا في السّنوات الأخيرة بحالة التّجاذب السّياسي مِمَّا أثّرَ على طبيعة علاقاتنا مع عددٍ من الدّول.
فالدّبلوماسيّة التّونسيّة لها قِيَمٌ ومَرْجَعِيّات اكتسبتها منذ الاستقلال وجَعَلَتْهَا صَوتًا مَسموعًا في العالم. لذلك سنسعى إلى أن تَسْتَعِيدَ دبلوماسيّتنا حيويّتها واعتبارها وإلى أن تكون سياستنا الخارجيّة مُتّزنةً في مواقفها تَحْتَرِمُ الشّرعيّة الدّوليّة ولا تَتَدَخّلُ في الشّؤون الدّاخليّة للدّول وتُساند قضايا الحقّ والعدل وتََمُدُّ جسور التّعاون والتّواصل مع مُختلف شُعوب العالم. 
إنّ تونس، كما أكّد على ذلك الفصل الأوّل من الدّستور، دولةٌ حرّةٌ مُستقلّةٌ، ذاتُ سيادة، الاسلام دينُها، والعربيّةُ لُغتها، والجمهوريّةُ نِظَامُها.
وهي متجذّرةٌ في مُحيطها الإقليمي ومتشبّثةٌ بهويّتها العربيّة والإسلاميّة ومتفتّحةٌ على بقيّة شُعوب العالم. والمَغربُ العَرَبيُّ هو فضاءُها الطّبيعيُّ والحيوي ويَظَلُّ استكمالُ بناءه ضَرُورةً إستراتيجيّةً مُلحّةً وحُلمًا طالمَا رَاوَدَ أجيال مُتعاقبة من أبناء هذا الوطن الكبير. وسَنَعْمَلُ مع أشقّائنا قادةُ دُول الاتّحاد في سبيل تفعيل مؤسّساته وتَجَاوُزِ حالةِ الوَهَنِ التي إعْتَرَتْهُ بما يُمَكِّنُ من قيام فضاءٍ يستجيب لتطلّعات وآمال شُعوب المنطقة.
وستُواصل تُونس الاضطلاع بِدَوْرِهَا في إعادةِ بناءِ وتَرْتِيبِ البيتِ العربي وسَتَعْمَلُ على تَرْمِيمِ جُسور الثّقة وتعزيز التّعاون مع كلّ الدّول العربيّة في إطار الاحترام المُتبادل والمَصلحة المُشتركة. كما تُؤكّد التزامَهَا الثّابت بِدَعْمِ  قضيّة الشّعب الفلسطيني العادلة في استرجاع كافةِ حُقوقه الوطنيّة وإقامةِ دولتِهِ المُستقلّة على أراضيه وِفْقًا لقرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
وتَأملُ تُونس أن تتمكّن الدّول العربيّة الشّقيقة التي تَشْهَدُ أزماتٍ سياسيّةٍ واجتماعيّة من تَجَاوُزِ صُعوباتها واستعادةِ استقرارها بِمَا يُؤَمِّنُ لكلِّ ابنائها مُقوّمات الكرامة والعيش الحُرّ والآمن.  
ولن تتخلّى تُونس على ارتباطاتها التّاريخيّة العميقة بِمَجَالِها الحيَوي الإفريقي. لذلك سَنَعْمَلُ على إعادة الاعتبار لِرَصِيدِ الثّقة الكبير الذي كانت تَحْظَى به بِلاَدُنا في افريقيا والنّابعِ من النّضال المشترك ضدّ الاستعمار ومعركةِ بناءِ الدّولة المستقلّة والتّقدير الذي يُكنّه قادة القارّة للتّجربة التّونسيّة الرّائدة بقيادة الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة. ولأجلِ ذلك، سَتَحْرِصُ الدّبلوماسيّة التّونسيّة على إعادة بناء جُسور الثّقة مع دُول القارّة وإعطاء زخمٍ جديد للعلاقات العريقة الي تَرْبِطُهَا بها من خلال خَلْقِ فُرصِ
 
 
 شَرَاكَةٍ مُتضامنة ودَعْمِ الحُضور التّونسي في إفريقيا سِياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا.
كما سنبذُل قُصارى جُهدنا لتطوير علاقاتنا مع دُول الاتّحاد الأوروبّي على جميع الأصعدة، وسنَسْعَى لِتَرْجَمَةِ مَفْهُوم الشّراكة المُتميّزة على أرض الواقع من خلال توسيع مجالات التّعاون لتشْمَلَ قطاعاتٍ جديدة والعمل على ارساء شراكةٍ مُتكافئةٍ ومُتطوّرة تُهيّئ الظّروف لتفاعلٍ أعمق وتَبَادُلٍ أوثق بين تُونس وأوروبا. وسَنَعْمَلُ، في هذا الصّدد، مع شُركائنا الأوروبّيّين على تَشْخِيصِ مشاريع جديدة للتّعاون تَأخُذ بعين الاعتبار الظّروف الاستثنائيّة التي تَمُرّ بها تونس وتُساعد على مزيد ادماج الاقتصاد التّونسي في السّوق الأوروبيّة.
ونحنُ مُقرّونَ العَزْمَ على تطوير علاقاتنا العريقة مع بُلدان القارّتين الأمريكيّة والآسيويّة لما تُمثّلانه من ثِقَلٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ كبير، وذلك من خلال دعم أُطُرِ التّعاون التّقليديّة وخَلْقِ فُرصٍ جديدة تَخْدِمُ التّنمية والشّراكة مُتعدّدة المجالات.  
أصحاب السّعادة، 
حضرات السّيّدات والسّادة،
إنّ ليبيا خَاصِرَةُ تُونس، وأَمْنُنَا من أَمْنِهَا. وتُونس هي أكثرُ البُلدان عُرضةً لتداعيات الأزمة اللّيبيّة. لذلك نَعْتَبِرُ مُجريات الأُمورِ في هذا البلد الشّقيق وضَرُورَةِ استعادتِهِ لاستقراره من صَمِيمِ أولويّاتِ الدّبلوماسيّة التّونسيّة.
وتُونس التي احتضنت الأشقّاء اللّيبيّين إبَّانَ ثَوْرَتِهِمْ وتَعْمَلُ على توفير كافة أنواع المُساعدة لتسهيل إقامتهم بها، تَدْعَمُ كلَّ الجُهود الرّامية إلى إيجاد مخرجٍ سياسيٍّ للأزمة اللّيبيّة عَبْرَ الحوار والتّوافق بين كافة الأطراف وَوِفْقَ ثَوَابتَ ومرجعيّاتٍ أهمّها وِحْدَةُ ليبيا وسلامَتُها التّرابيّة ورفضُ التّدخّل الأجنبي. ولأجلِ تحقيق هذه الغاية، فانّها سَتَسْعَى لدفْعِ التّنسيق مع الدُّول المُكوّنة لآلية الجِوَار، وكذلك مع مَبْعُوث الأمم المتّحدة إلى ليبيا.  
وأودُّ في هذا الخُصوص أن أؤكّد تضامن تُونس الكامل مع الشّقيقة مصر في معركتها ضدّ الإرهاب الذي ضرب مواطنيها في ليبيا، باعتباره ظاهرةً تستهدف استقرار وأمن كلّ الدّول، بما في ذلك تُونس التي فقدت قبل يومين أربعةً من بواسلها ممّن طالتهم يَدُ الغدر في جهة القصرين، نترحّم على أرواحهم الزّكيّة ونَحْسَبُهُم من أهل الجنّة إن شاء الله. 
أصحاب السّعادة،
حضرات السّيّدات والسّادة، 
لقد أضْحَى الارهاب آفةً عابرةً للحُدود ليس بِوِسْعِ أيّ دولةٍ بِمُفْرَدِهَا التّوقّي منها أو القضاء عليها. وهو يَتَغَذّى من حالات عدم الاستقرار وغِياب الدّولة والنّزاعات العِرقيّة والمذهبيّة، من جهة، ومن الفقر والتّهميش والحرمان وثقافة الغُلوّ ونَفْي الآخر، من جهة أخرى.
إنّ الارهاب لاَ مَوْطِنَ ولاَ دينَ لَهُ وهو يُمثّل عُنصرَ تهديدٍ دَاهمٍ للاستقرار والأمن الدّوليّين. ويتطلّب القضاء عليه تَوَفُّرَ إرادةٍ سياسيّةٍ دوليّةٍ حقيقيّة وتَحَرُّكٍ جدّيٍّ وسريعٍ في إطارِ مُقاربةٍ تَضَامُنيّةٍ بين الأطراف والحُكومات. 
ونَحْنُ واثقُون في تُونس، بعد تكريس مَسَارِنَا الانتقالي واستقرار نِظَامِنَا السّياسي، من قُدرتنا على دَرْءِ خطر الارهاب، باعتباره ظاهرةً غريبةً عن بيئتنا بفضل تَمَاسُكِ أجهزة الدّولة ووحدةِ صفِّ التّونسيّين والتّنسيق الأمني مع دُول الجوار وباقي الدّول الصّديقة المعنيّة بمكافحته.
أصحاب السّعادة،
 
 
إنّنا نَتَطَلّعُ أن تَكُونُوا خَيْرَ صدًى لاهتمامات تُونس لدى دُولكم وأن تُواصلوا مُساندتكم لها ودَعْمَكُم
لأواصر التّعاون مع بُلدانكم ومُنظّماتكم. 
وإذ نُعرب من خِلاَلِكُم إلى قَادَةِ دُولكم الشّقيقة والصّديقة عن أصدقِ التّمنّيات وأطيبها، فإنّنا نرجو لكم التّوفيق في مهامّكم ولشُعوب بُلدانكم إطّرادَ التّقدّمِ والرّخَاء، مُؤَمِّلينَ أن تَكُونَ السّنةُ الجديدة سَنَةَ خيرٍ وسلامٍ لكلّ شعوب الأرض. 
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
 
 
المكان : قصر قرطاج
التاريخ: 19 فيفري 2015
شارك :

آخر الأخبار

الأخبار ذات الصلة

الصفحات

Layout Settings